تاريخ الكاكاو الجزء الأول

لطالما ارتبطت شعوب الازيتك ( 1376- 1520 م) بزراعة الكاكاو. لكن الادلة الاثرية تشير الى ان شعب الالمك ( 1150- 300 ق.م) وشعب المايا (200 ق.م- 1550 م) قاموا بزراعة محاصيل الكاكاو في الغابات الممطرة في اميركا الوسطى قبل شعب الازيتك.

كان شعب الازيتك يؤمن بأن شجرة الكاكاو تم جلبها اليهم بواسطة اله كيتزالكواتل (Quetzalcoatl)  مع شعاع نجمة الصباح. علمهم اله كيتزالكواتل كيفية معالجة حبوب الكاكاو، والشراب الذي تم صناعته من هذه الحبوب اصبح شراب مقدس لنخبة شعب الازتيك. لكن كان هنالك استثناء واحد لهذه القاعدة، فالجنود كان مسموح لهم شرب هذا الشراب المقدس لحمايتهم في الحرب.

كانت حبوب الكاكاو تجفف ثم يتم طحنها وخلطها بماء لانتاج شراب مطاطي (يحتاج للمضغ) حيث كانت شعوب المايا تفضل استهلاكه دافئ بينما كانت شعوب الازيتك تفضل استهلاكه باردا.  صناع الشوكولاتة في ذلك الوقت المبكر كانوا يصنعون رغوة لمشروب الكاكاو حيث كانوا يخلطون المشروب بسكبه بين وعائين لكي يختلط وبالتالي تصدر رغوة ايضا لهذا المشروب

فيما بعد أدخل الاسبانين المطحنة الاسبانية "Milinillo" وهي عبارة عن اداة خشبية اصبحت تستخدم لصناعة خليط مشروب الكاكاو وصناعة الرغوة الخاصة بالمشروب

حيث اصبح يتم خلط مشروب الكاكاو بوضعه داخل جرة ذات عنق عالي وباستخدام المطحنة الخشبية يتم خلط المشروب داخل الجرة. استخدام هذه الاداة سهل عمليت صناعة مشروب الكاكاو المقدس

أكتشاف الاوروبين للشوكولاتة 1500 م

عندما تذوق كريستوفار كولومبوس الكاكاو في عام 1502م لم يكن معجب بهذه المادة وحتى الحبوب التي جلبها معه الى اوروبا ربما لم يتم تذوقها وبقيت في المستودعات. حيث لا توجد اي اشارة تاريخية تشير الى ان الاسبان عروفوا او استهلكوا الكاكاو في ذلك الوقت.

ويشير العلماء الى ان ارنان كورتيز "جندي ومغامر اسباني"

عندما عاد من العالم الجديد الى اسبانيا عام 1528 م لم يذكر الكاكاو في قائمة الهدايا التي احضرها للامبرطور شارلز الخامس. كل ما تم ذكره هو عن المعادن والذهب الاصفر وليس الذهب الاسود "الكاكاو".

وعلى الارجح الكاكاو وجد طريقه من العالم الجديد الى موائد نبلاء ورجال الدين الاسبانين من خلال رجال الدين والجنود  والتجار الذين كانوا يتنقلون بين العالم الجديد واسبانيا. أول شحنة كاكاو موثقة ومسجلة تمت في عام 1585 م حيث كانت هذه الشحنة البداية لقرون من اللذة  والتمتع بالشوكولاتة.

وفي كتاب "التاريخ الحقيقي للشوكولاتة" يشير المؤلفان صوفي و مايكل الى ان الذوق الاسباني في الكاكاو بدأ بالظهور في العالم الجديد بفضل السيدات الاسبانيات المهاجرات. حيث كان مشروب الكاكاو يقدم لهن من خلال الخدم من الازيتيك. ولكن السيدات الاسبانيات قاموا بالتحسين على وصفة مشروب الكاكاو لتكون اقرب الى الذوق الاسباني. حيث تم اضافة السكر والعسل.

فيما بعد اصبح  الاسبانين يعدون شراب الكاكاو عن طريق تحميص حبوب الكاكاو ثم طحنها مع السكر واضافة اما القرفة أو اليانسون او الفلفل الاسود. كان طحن حبوب يتم باستخدام حجر الصوان الذي تم جلبه الى اسبانيا من العالم الجديد

وكما ترون في الصورة فان حجر الصوان المستخدم لطحن الكاكاو يختلف عن حجر الصوان المعروف لدينا في منطقة الشرق الاوسط. فهو عبارة عن طاولة من حجر الصوان ويتم استخدام مقبض حجري لفرك حبوب الكاكاو بين الطاولة الحجرية وبين المقبض الحجري. ومن خلال الحركة المستمرة والاحتكاك تتحول حبوب الكاكاو من الحالة الصلبة الى الحالة السائلة

هذا الشراب الجديد "شوكولاتة" يوصف بان له خصائص طبية. وكانت طبقة الارستقراطين يحبونه جدا. ومع الوقت تم اضافة نكهة الفانيلا و المسك. حيث اصبح هذا الشراب يقدم بنكهات عديدة لارضاء جميع الاذواق

مع انتشار شعبية الشوكولاتة في اوروبا انتشرت زراعة اشجار الكاكاو في جميع انحاء المستعمرات الاوروبية. أشجار الكاكاو تؤتي ثمارها فقط في المناطق الاستوائية. حيث تحتاج لكي تنمو درجة حرارة ما بين 18-25 س ورطوبة عالية. كما تحتاج مياه امطار بما يعادل 203 سم واكثر في السنة.

حاول محبي الشوكولاتة من الاسبانين ابقاء زراعة الكاكاو و انتاجه كسر. ونجحوا في ذلك لما يزيد عن 100 عام. اعتبرت الشوكولاتة كشروب طبي   حيث يمنح النشاط ويزود الجسم بالعناصر الغذائية وكان يقدم بين الوجبات. وله ميزة اخرى وهي ان مذاقه رائع بالمقارنة بالمشروبات الطبية الاخرى. يقال ان رجال الدين والنبلاء كانوا يأخذون مشروب الشوكولاتة "المشروب الطبي" معهم عندما يسافرون. مما ادى الى انتشار الشوكولاتة تقريبا في معظم دول اوروبا في فترة منتصف القرن السابع عشر.

الشوكولاتة في اوروبا من 1600 م الى 1700 م

احتضن الفرنسيون الشوكولاتة وكان لهم الفضل بتصميم وصناعة اناء خاص لتقديم مشروب الشوكولاتة. وسمي هذا الاناء بـ "شوكولاتير". وهو عبارة عن اناء طويل وله من الجهة اليمنى مقبض للمساعدة على سكب المشروب. وله غطاء يتسع لادخال المطحنة الخشبية التي كانت تستخدم لتحريك المشروب مباشرة قبل سكبه لتشكيل رغوة.

اول براءة اختراع لصناعة الشوكولاتة تم منحها من الملك لويز الرابع عشر الى ديفد تشاليو في عام 1659 م. بعد ذلك اصبح تشاليو قادر على فتح اول محل لبيع الشوكولاتة في باريس. محله كان يبيع "الدواء" الشوكولاتة على شكل مشروب. تخيل معي في ذلك الحين كان صانعوا الشوكولاتة يصنفوا بأن لهم مهارات صيدلانية.

غزت الشوكولاتة انجلترا في منتصف القرن السابع عشر. في عام 1655 م عندما استولت انجلترا على جمايكا واخذتها من الحكم الاسباني. وبالتالي سيطروا على محصول الكاكاو في هذه الجزيرة. لم تختلف طريقة تصنيع الكاكاو في برطانيا عن تلك التي كانت في اسبانيا. في عام 1700 م واعتبر الانجليز مشروب الكاكاو كمشروب طبي صالح فقط للبالغين اي لم يكن يسمح للصغار بشربه لأن مذاقه يعتبر قوي جدا على الصغار. وزادت شعبيت هذا المشروب لفوائده الصحية ولأنه كان اقل ثمنا من سعر الشاي.

في هذا الوقت بدأت بيوت واندية الشوكولاتة بالظهور في انجلترا. وأول تسجيل لاضافة الحليب الى الشوكولاتة تم تسجيله في عام 1727 م عندما اضافة نيكولاس ساندرز الحليب الساخن الى مشروب الشوكولاتة وقدمه لاحد اصدقاءه. وفي ذلك الوقت بدأ الناس في اوروبا وامريكا باستخدام الكاكاو المطحون كمكون اضافي في بعض المخبوات والبسكويت والحلويات. حيث الى ذلك الحين كان الكاكاو يعتبر كجزء من مكونات الحلويات الاخرى وليس الشوكولاتة التي نعرفها اليوم. ولكن هذا التحول باستخدام الكاكاو كمكون في الحلويات هو كان بداية الطريق لصناعة الشوكولاتة كما نعرفها اليوم

الثورة الصناعية وصناعة الشوكولاتة من 1700 م الى 1800 م

مع اختراع المحرك البخاري الذي ادى الى اختراع المطاحن الآلية أدى الة تقليل من سعر طحن حبوب الكاكاو. وهذا بدوره ادى الى استهداف المستهلكين الاقل ثراءا. في عام 1789 أحضر  ابناء فرايس احدث محرك بخاري لطحن حبوب الكاكاو لمصنع الشوكولاتة الخاص بهم.

الثورة الصناعية كانت نقطة التحول في صناعة واستهلاك الشوكولاتة. حيث اصبحت الشوكولاتة بمتناول اليد واصبحت متاحة ليس فقط كمشروب بل اتيحت على شكل الواح. واحدة من اهم المشاكل التي كانت تواجه مشروب الشوكولاتة هي انه اذا ترك المشروب لمدة من دون تحريك فان زبدة الكاكاو الدافئة تطفو على سطح المشروب. مما يشكل طبقة زيتية غالبا يتم التخلص منها. صاحب بقالة "كوكير" جون كادبوري بدأ بتصنيع الشوكولاتة لزبائنه في عام 1824 م بنجاح اكثر ويعود الفضل في ذلك الى الاختراعات التي اتت مع الثورة الصناعية والتي معها اختلف تصنيع الشوكولاتة في العالم.

في عام 1828 تمكن الكيميائي جوهانس من تصنيع الة  هدفها فصل بودرة الكاكاو عن زبدة الكاكاو. يعتبر هذا الاختراع نقطة تحول هامة في تاريخ صناعة الشوكولاتة والذي أدى الى تغير صناعة الشوكولاتة الى الابد.

فصل بودرة الكاكاو عن زبدة الكاكاو ادى الى اختلاف مشروب الشوكولاتة من قوام سميك ونكهة قوية الى قوام ناعم ونكهة اجود. وهذا الاختراع مهد الطريق الى زيادة شعبية استهلاك الشوكولاتة عن طريق اكلها وليس شربها فقط. قام الكيميائي كوينراد فان هوتين باختراع عملية سماها “Dutching” "هولندي" نسبة الى وطنه. في هذه العملية يقوم بمعالجة الكاكاو بملح قلوي لتخفيف نسبة الحموضة والمرار في الكاكاو. وإكتشف العالم ان عمليت "الدتشنغ" ينتج منها كاكاو بلون اغمق  مما يؤدي الى انتاج مسحوق كاكاو غنياً أكثر و بنكهة قوية. كما نتج عن عمليت الدتشنغ كاكاو جاهز ليتم خلطه مع الماء من دون تلك الطبقة الغير مرغوب بها من دهون "زبدة الكاكاو". ونتجت هذا العملية “Dutching” مشروب أسهل بكثير على المعدة لأنه يحتوي على كمية اقل من الحموضة وطعمه ممتاز وسهل التحضير